فصل: سؤال: لم خص الإيتاء بأهل الكتاب مع عمومه للكل؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: لم خص الإيتاء بأهل الكتاب مع عمومه للكل؟

الجواب: تخصيص إيتاء المعجزات بأهل الكتاب مع عمومه للكل لأنهم أعلم من غيرهم بالمعجزات وكيفية دلالتها على الصدق لعلمهم بمعجزات الأنبياء السابقة. اهـ.

.سؤال: لم أثبت للآيات أنها نعم؟

الجواب: وإنما أثبت للآيات أنها نعم لأنها إن كانت دلائل صدق الرسول فكونها نعمًا لأن دلائل الصدق هي التي تهدي الناس إلى قبول دعوة الرسول عن بصيرة لمن لم يكن اتبعه، وتزيد الذين اتبعوه رسوخ إيمان قال تعالى: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا} [التوبة: 124] وبذلك التصديق يحصل تلقى الشرع الذي فيه صلاح الدنيا والآخرة وتلك نعمة عاجلة وآجلة، وإن كانت الآيات الكلامَ الدال على البشارة بالرسول فهي نعمة عليهم، لأنها قصد بها تنوير سبيل الهداية لهم عند بعثة الرسول لئلا يترددوا في صدقه بعد انطباق العلامات التي ائتمنوا على حفظها. اهـ.

.سؤال: لم سمى الله تعالى كفر النعمة تبديلا لها؟

الجواب: سمى الله تعالى كفر النعمة تبديلا لها، لأن من أنعم الله عليه نعمة دينية أو دنيوية، فلم يشكرها، ولم يقم بواجبها، اضمحلت عنه وذهبت، وتبدلت بالكفر والمعاصي، فصار الكفر بدل النعمة، وأما من شكر الله تعالى، وقام بحقها، فإنها تثبت وتستمر، ويزيده الله منها. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {سل بني إسرائيل} قال: هم اليهود {كم آتيناهم من آية بينة} ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر {ومن يبدل نعمة الله} قال: يكفر بها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: آتاهم الله آيات بينات: عصا موسى، ويده، وأقطعهم البحر، وأغرق عدوّهم وهم ينظرون، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى {ومن يبدل نعمة الله} يقول: من يكفر بنعمة الله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}.
قرأ الجمهور: {سَلْ} وهي تحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون من لغة: سال يسال، مثل: خَافَ يَخَافُ، وهل هذه الألف مبدلة من همزة، أو واو، أو ياء؟ خلاف تقدَّم في قوله: {فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61] فحينئذٍ يكون الأمر منها: {سَلْ} مثل خَفْ لمَّا سكنت اللام حملًا للأمر على المجزوم، التقى ساكنان فحذفت العين لذلك، فوزنه على هذا فَلْ، وبهذا التقدير قرأ نافعٌ، وابن عامر {سَالَ سَائِلٌ} على وزن قال، وكان.
والثاني: أن تكون من سأل بالهمز.
قال قطربٌ: سأَلَ يَسْأَلُ مثل زَأر الأسد يَزْأَرُ، والأصل: اسأل ثم ألقيت حركة الهمزة على السِّين، تخفيفًا، واعتددنا بحركة النقل، فاستغنينا عن همزة الوصل فحذفناها، ووزنه أيضًا فَلْ بحذف العين، وإن اختلف المأخذ.
وروى عباس عن أبي عمرو: اسْأَلْ على الأصل من غير نقلٍ.
وقرأ قوم: {اسَلْ} بالنقل وهمزة الوصل، كأنَّهم لم يعتدُّوا بالحركة المنقولة كقولهم: ألَحْمر بالهمز.
وقرأ بعضهم {سَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ} بغير همزٍ، وقرأوا {واسأل القرية} [يوسف: 82] {فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب} [يونس: 94] {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} [النساء: 32] بالهمزة، وقرأ الكسائيُّ الكلَّ بغير همزٍ اتِّباعًا للمصحف، فإنَّ الألف ساقطةٌ فيها أجمع، و{بني} مفعولٌ أول عند الجمهور.
وقوله: {كم آتيناهم} في كَمْ وجهان:
أحدهما: أنها في محل نصب.
واختلف في ذلك فقيل: نصبها على أنها مفعولٌ ثانٍ ل {آتياناهم} على مذهب الجمهور، وأول على مذهب السُّهيلي، كما تقدَّم.
وقيل: يجوز أن ينتصب بفعل مقدَّر يفسِّره الفعل بعدها تقديره: كم آتينا آتيناهم، وإنما قدرنا ناصبها بعدها؛ لأنَّ الاستفهام له صدر الكلام، ولا يعمل فيه ما قبله، قاله ابن عطيَّة، يعني أنه عنده من باب الاشتغال، قال أبو حيَّان: وهذا غير جائزٍ إنْ كان {مِنْ آيةٍ} تمييزًا؛ لأن الفعل المفسِّر لم يعمل في ضمير {كَمْ} ولا في سبيها، وإذا لم يكن كذلك، امتنع أن يكون من ابا سببيِّه.
ونظير ما أجازه أن تقول: زَيْدًا ضربْتُ ويكون من باب الاشتغال، وهذا ما لم يجيزه أحد.
فإن قلنا أنَّ تمييزها محذوف، وأطلقت كَمْ على القوم، جاز ذلك؛ لأنَّ في جملة الاشتغال ضمير الأول؛ لأنَّ التقدير: كَمْ مِنْ قَوْم آتيناهُمْ قال شهاب الدِّين: وهذا الذي قاله الشيخ من كونه لا يتمشَّى على كون {مِنْ آية} تمييزًا قد صرَّح به ابن عطيَّة فإنه قال وقوله: {مِنْ آيةٍ} هو على التقدير الأول، مفعول ثان لآتيناهم، وعلى الثاني في موضع التمييز يعني بالأول نصبها على الاشتغال، وبالثاني نصبها بما بعدها.
الوجه الثاني: أن تكون كَمْ في محلِّ رفع بالابتداء، والجملة بعدها في محلِّ رفع خبرًا لها، والعائد محذوفٌ تقديره: كم آتيناهموها، أو آتيناهم إيَّاها، أجازه ابن عطيَّة وأبو البقاء، واستضعفه أبو حيَّان من حيث إن حذف عائد المبتدأ المنصوب لا يجوز إلاَّ في ضرورةٍ، كقوله: السريع:
وَخَالِدٌ يَحْمَدُ سَادَاتُنَا ** بِالْحَقُ لاَ يُحْمَدُ بالْبَاطِلِ

أي: وخالدٌ يحمده.
وهذا نقل بعضهم، ونقل ابن مالكٍ، أنَّ المبتدأ إذا كان لفظ كُلٍّ، أو ما أشبهها في الافتقار والعموم جاز حذف عائده المنصوب اتفاقًا من البصريِّين والكوفيِّين، ومنه: {وَكُلًا وَعَدَ الله الحسنى} [النساء: 95] في قراءة نافعٍ، وإذا كان المبتدأ غير ذلك، فالكوفيُّون يمنعون ذلك لا في السِّعة، والبصريُّون يجيزونه بضعفٍ، ومنه: {أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ} [المائدة: 50] برفع حُكْم.
فقد حصل أنَّ الذي أجازه ابن عطية ممنوعٌ عند الكوفيين، ضعيف عند البصريين.
وهل {كَمْ} هذه استفهامية، أو خبرية؟ الظاهر الأول، وأجاز الزمخشريُّ فيها الوجهين، ومنعه أبو حيَّان من حيث إن {كَمْ} الخبرية مستقلة بنفسها، غير متعلقةٍ بالسؤال، فتكون مفلتةً ممّا قبلها، والمعنى يؤدي إلى انصباب السؤال عليها، وأيضًا فيحتاج إلى حذف المفعول الثاني للسؤال، تقديره: سل بني إسرائيل عن الآيات التي آتيناهم، ثم قال: كثيرًا من الآيات التي آتيناهم، والاستفهامية لا تحتاج إلى ذلك.
و{مِنْ آيةٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أنها مفعول ثان على القول بأنَّ {كَمْ} منصوبةٌ على الاشتغال؛ كما تقدَّم، ويكون ممِّيز {كَمْ} محذوفًا، و{مِن} زائدةٌ في المفعول؛ لأنَّ الكلام غير موجب، إذ هو استفهامٌ، وهذا إذا قلنا إنَّ {كَمْ} استفهامية لا خبريةٌ؛ إذ الكلام مع الخبرية إيجابٌ، و{مِنْ} لا تزاد في الواجب إلاَّ على رأي الأخفش، والكوفيِّين، بخلاف ما إذا كانت استفهامية.
قال أبو حيَّان: فيمكن أن يجوز ذلك فيه لانسحاب الاستفهام على ما بعده وفيه بعدٌ، لأنَّ متعلَّق الاستفهام هو المفعول الأول لا الثاني، فلو قلت: كَمْ مِنْ دِرْهمٍ أعطيته مِنْ رَجلٍ على زيادة {مِنْ} في رَجُلٍ لكان فيه نظرٌ انتهى.
والثاني: أنها تمييز، ويجوز دخول مِنْ على مميِّز كَمْ استفهامية كانت أو خبرية مطلقًا، أي: سواء وليها ممِّزها، أم فصل بينهما بجملةٍ، أو ظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ، على ما قرَّره النحاة، و{كَمْ} وما في حيِّزها في محلِّ نصب أو خفض، لأنها في محل المفعول الثاني للسؤال فإنَّه يتعدَّى لاثنين: إلى الأوَّل بنفسه وإلى الثَّاني بحرف جرٍّ: إمَا عن، وإمَّا الباء؛ نحو: سألته عن كذا وبكذا؛ قال تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، وقد جمع بينهما في قوله: الطويل:
فَأَصْبَحْنَ لاَ يَسْأَلْنَنِي عَنْ بِمَا بِهِ

وقد يحذف حرف الجرِّ، فمن ثمَّ جاز في محلِّ كَمْ النصب، والخفض بحسب التقديرين، وكَمْ هنامعلقة للسؤال، والسؤال لا يعلَّق إلا بالاستفهام؛ كهذه الآية، وقوله تعالى: [القلم: 40]، وقوله: الطويل:
يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ ** سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ

وقال آخر: البسيط:
وَاسْأَلْ بِمَصْقَلَةَ البَكْرِيِّ مَا فَعَلا

وإنما علَّق السؤال، وإن لم يكن من أفعال القلوب؛ قالوا: لأنه سببٌ للعلم، والعلم يعلَّق، فكذلك سببه، وإذا كانوا قد أجروا نقيضه في التعليق مجراه في قوله: الطويل:
وَمَنْ أَنْتُمُ إِنَّا نَسِينَا مَنَ أَنْتُمُ ** وَرِيحُكُمْ مِنْ أَيِّ رِيحِ الأَعَاصِرِ

فإجراؤهم سببه مجراه أولى.
واختلف النحاة في كَمْ: هل بسيطةٌ، أو مركبة من كاف التَّشبيه وما الاستفهامية، حذفت ألفها؛ لانجرارها، ثم سكنت ميمها، كما سكّنت ميم لِمْ من لِمْ فَعَلْتَ كَذَا في بعض اللغات، فركِّبتا تركيبًا لازمًا؟ والصحيح الأول.
وأكثر ما تجيء في القرآن خبريَّةً مرادًا بها التكثير، ولم يأت ممِّزها في القرآن إلا مجرورًا بمن.
قال أبو مسلمٍ: في الآية حذفٌ، والتَّقدير: كم آتيناهم من آية بيِّنةٍ، وكفروا بها، ويدلُّ على هذا الإضمار قوله: {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله}.
قوله: {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله} {مَنْ} شرطية في محلِّ رفع بالابتداء، وقد تقدَّم الخلاف في خبر اسم الشرط ما هو؟ ولابد للتبديل من مفعولين: مبدَّل وبدل، ولم يذكر هنا إلاَّ أحدهما وهو المبدِّل، وحذف البدل، وهو المفعول الثاني؛ لفهم المعنى، وقد صرَّح به في قوله: {بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْرًا} [إبراهيم: 28] فكفرًا هو المحذوف هنا.
وقد تقدَّم عند قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ} [البقرة: 59] أن بَدَّل يتعدَّى لاثنين: أحدهما بنفسه، وهو البدل، وهو الذي يكون موجودًا، وغلى الآخر بحرف الجر، وهو المبدَّل، وهو الذي يكون متروكا، وقد يحذف حرف الجرِّ لفهم المعنى، فالتقدير هنا: {وَمَنْ يُبَدِّلْ بنعمتِهِ كُفْرًا}، فحذف حرف الجر والبدل لفهم المعنى.
ولا جائز أن تقدِّر حرف الجر داخلًا على {كُفْرًا} فيكون التقدير: وَمَنْ يُبَدِّلْ بِالكُفْرِ نِعْمَةَ اللَّهِ؛ لأنه لا يترتَّب عليه الوعيد في قوله: {فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب}.
وكذلك قوله تعالى: {فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] تقديره: بسيئاتهم حسناتٍ، ولا يجوز تقديره: سَيِّئاتِهِم بحسناتٍ؛ لأنه لا يترتَّب على قوله: {إلا مَنْ تَابَ}.
وقرئ: {يُبْدِلُ} مخففًا، ومِنْ لابتداء الغاية ومَا مصدرية، والعائد من جملة الجزاء على اسم الشرط محذوف؛ لفهم المعنى، أي: شديد العقاب له، أو لأنَّ أَلْ نابت منابه عند الكوفيين. اهـ. باختصار.